کد مطلب:352981 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:203

خاتمة البحث
وبعد هذه الخرافات وأمثالها كثیر فی البخاری فهل یبقی الباحثون والعلماء

المتحررون ساكتون ولا یتكلمون؟ وسیقول بعض الناس لماذا التحامل إلا علی البخاری؟ وقد یوجد فی غیره من كتب الأحادیث أضعاف ما فیه، وهذا صحیح ولكن تناولنا البخاری بالتحدید لما ناله هذا الكتاب من شهرة فاقت الخیال حتی أصبح كالكتاب المقدس عند علماء السنة لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه إذ كل ما فیه صحیح لا یتطرق إله الشك، ومنبع هذه الهالة وهذا التقدیس نشأ من السلاطین والملوك بالخصوص فی العهد العباسی الذی وصل فیه الفرس إلی التحكم فی كل جهاز الدولة وكان منهم الوزراء والمستشارون والأطباء والفلكیون یقول أبو فراس ذلك:

أبلغ لدیك بنی العباس مالكة

لا یدعوا ملكها ملاكها العجم

أی المفاخر أمست فی منازلكم

وغیركم آمر فیها ومحتكم

وعمل الفرس كل جهودهم واستعملوا كل نفوذهم حتی أصبح كتاب البخاری فی المرتبة الأولی بعد القرآن الكریم، وأصبح أبو حنیفة الإمام الأعظم فوق الأئمة الثلاثة الآخرین.



[ صفحه 340]



ولولا خوف الفرس من إثارة القومیة العربیة فی عهد الدولة العباسیة لرفعوا البخاری فوق القرآن، ولقدموا أبا حنیفة علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم. فمن یدری؟ وقد قرأت لبعضهم محاولات من هذا القبیل، إذ كان البعض منهم یقول صراحة بأن الحدیث قاض علی القرآن، ویقصد بالحدیث البخاری طبعا. كما یقول لو تعارض حدیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم مع رأی واجتهاد أبی حنیفة لوجب تقدیم اجتهاد أبی حنیفة ویعلل ذلك بأن الحدیث یحتمل عدة وجوه، هذا إن كان صحیحا أما إذا كان مشكوكا فی صحته فلا إشكال. وأخذت الأمة الإسلامیة تنموا وتكبر شیئا فشیئا وهی دائما مغلوبة علی أمرها یتحكم فی مصیرها الملوك والسلاطین من الأعاجم والفرس والممالیك والموالی والمغول والأتراك والمستعمرین من الفرنسیین والانكلیز والإیطالیین والبرتغالیین وحدث ولا حرج. ودأب أغلب العلماء علی الجری وراء الحكام واستمالتهم بالفتاوی والتملق طمعا فی ما عندهم من مال وجاه، وعمل هؤلاء دائما علی سیاسة فرق تسد فلم یسمحوا لأحد بالاجتهاد وفتح ذلك الباب الذی أغلقه الحكام فی بدایة القرن الثانی، معتمدین علی ما یثار هنا وهناك من فتن وحروب بین السنة وهی الأغلبیة الساحقة والتی تمثل الأنظمة الحاكمة، والشیعة وهی الأقلیة المنبوذة والتی تمثل فی نظرهم المعارضة الخطیرة التی یجب القضاء علیها وبقی علماء السنة مشغولون بتلك اللعبة السیاسیة الماكرة فی نقد وتكفیر الشیعة والرد علی أدلتهم بكل فنون النقاش والمجادلة حتی كتبت فی ذلك آلاف الكتب وقتلت آلاف النفوس البریئة ولیس لها ذنب غیر ولائها لعترة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ورفضها للحكام الذین ركبوا أعناق الأمة بالقوة والقهر.



[ صفحه 341]



وها نحن الیوم فی عهد الحریات فی عهد النور كما یسمونه فی عهد العلم وتسابق الدول لغزو الفضاء والسیطرة علی الأرض إذا ما قام عالم وتحرر من قیود التعصب والتقلید، وكتب أی شئ یشم منه رائحة التشیع لأهل البیت، فتثور ثائرتهم وتعبأ طاقاتهم لسبه وتكفیره والتشنیع علیه لا لشئ سوی أنه خالف المألوف عندهم، ولو أنه كتب كتابا فی مدح البخاری وتقدیسه لأصبح عالما علامة ولانهالت علیه التهانی والمدائح من كل حدب وصوب ولتمسح بأعتابه رجال لا تلهیهم صلاة ولا صوم عن التملق وقول الزور. وأنت تفكر فی كل هذا والدواعی التی توفرت لانحراف أكثر العباد، والأسباب التی تجمعت لسیاقه أغلب الناس إلی الضلالة، فإذا القرآن الكریم یوقفك علی سرها المكنون، من خلال الحوار الذی دار بین رب العزة والجلالة واللعین إبلیس. - قال: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ - قال: أنا خیر منه خلقتنی من نار وخلقته من طین. - قال: فاهبط منها فما یكون لك أن تتكبر فیها فاخرج إنك من الصاغرین. - قال: أنظرنی إلی یوم یبعثون.. - قال: إنك من المنظرین. - قال: فبما أغویتنی لأقعدن لهم صراطك المستقیم، ثلم لآتینهم من بین أیدیهم ومن خلفهم وعن أیمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرین. قال: أخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملئن جهنم منكم أجمعین [الأعراف: 12 - 18].



[ صفحه 342]



- یا بنی آدم لا یفتننكم الشیطان كما أخرج أبویكم من الجنة ینزع عنهما لباسهما لیریهما سوءاتهما إنه یراكم هو وقبیله من حیث لا ترونهم، إنا جعلنا الشیاطین أولیاء للذین لا یؤمنون، وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا علیها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا یأمر بالفحشاء أتقولون علی الله ما لا تعلمون، قل أمر ربی بالقسط وأقیموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصین له الدین كما بدأكم تعودون، فریقا هدی وفریقا حق علیهم الضلالة إنهم اتخذوا الشیاطین أولیاء من دون الله ویحسبون أنهم مهتدون [الأعراف: 26 - 30]. ولذلك أقول لكل إخوانی من المسلمین عامة إلعنوا الشیطان ولا تتركوا له سبیلا علیكم، وتعالوا إلی البحث العلمی الذی یقره القرآن والسنة الصحیحة، تعالوا إلی كلمة سواء بیننا وبینكم ألا نحتج إلا بما هو صحیح ثابت عندنا وعندكم، وندع ما اختلفنا فیه جانبا، ألم یقل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: لا تجتمع أمتی علی خطأ إذا فالحق والصواب فی ما اجتمعنا علیه سنة وشیعة والخطأ والباطل فی ما اختلفنا فیه، ولو أقمنا إلا هذا العمود لعم الصفاء والوفاق والهناء ولاجتمع الشمل ولجاء نصر الله والفتح ولعمت البركة من السماء والأرض، فالوقت قد حان ولم یعد هناك مجال للانتظار قبل أن یأتی یوم لا بیع فیه ولا خلال - ونحن كلنا فی انتظار إمامنا المهدی علیه السلام شیعة وسنة وقد طفحت ببشارته كتبنا، ألیس هذا دلیل كاف علی وحدة مصیرنا، فلی الشیعة إلا إخوانكم ولیس أهل البیت حكرة علیهم، فمحمد وأهل بیته صلی الله علیه وآله وسلم هم أئمة المسلمین كافة فلقد اتفقنا سنة وشیعة علی صحة حدیث الثقلین وقوله صلی الله علیه وآله وسلم تركت فیكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتی [1] والمهدی



[ صفحه 343]



من عترته ألیس هذا دلیل آخر؟ والآن وقد ولی عصر الظلمات وعصر الظلم الذی لم یظلم أحدا بقدر ما ظلم أهل البیت عترة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم حتی لعنوا علی المنابر وقتلوا وسبیت نساؤهم وبناتهم علی مرأی ومسمع من كل المسلمین. فقد حان الوقت لرفع المظلمة عن أهل البیت النبوی ورجوع الأمة إلی أحضانهم الدافئة التی ملئت رأفة ورحمة إلی حضیرتهم المترعة التی ملئت علما وعملا وإلی ظل شجرتهم الباسقة التی حازت فضلا وشرفا، فقد صلی علیهم الله وملائكته، وأمر المسلمین بذلك فی كل صلواتهم - كما أمرهم بمودتهم وموالاتهم. وإذا كان فضل أهل البیت لا ینكره مسلم وقد تغنی به الشعراء علی مر العصور، قال الفرزدق فیهم.

إن عد أهل التقی كانوا أئمتهم

أو قیل من خیر أهل الأرض قیل هم

من معشر حبهم دین وبغضهم

كفر وقربهم ملجی ومعتصم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

فی كل بر ومختوم به الكلم

وقال فیهم أبو فراس الشاعر المعروف یمدح أهل البیت ویشنی العباسین فی قصیدته المعروفة بالشافعیة اخترنا منها.

یا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم

لمعشر بیعهم یوم الهیاج دم

خلوا الفخار لعلامین إن سئلوا

یوم السؤال وعمالین إن عملوا

لا یغضبون لغیر الله إن غضبوا

ولا یضیعون حكم الله إن حكموا

تنشی التلاوة فی أبیاتهم سحرا

وفی بیوتكم الأوتار والنغم

الركن والبیت والأستار منزلهم

وزمزم والصفی والحجر والحرم

ولیس من قسم فی الذكر نعرفه

إلا وهم غیر شك ذلك القسم

وقد نقل الزمخشری والبیهقی والقسطلانی أبیاتا للإمام أبی عبد الله



[ صفحه 344]



محمد بن علی الأنصاری الشاطبی [2] قوله:

عدی وتیم لا أحاول ذكرها

بسوء ولكنی محب لهاشم

وما تعترینی فی علی ورهطه

إذا ذكروا فی الله لومة لائم

یقولون: ما بال النصاری تحبهم

وأهل النهی من أعرب وأعاجم

فقلت لهم: إنی لأحسب حبهم

سری فی قلوب الخلق حتی البهائم

وقد كتب بعض النصاری عدة كتب فی مزایا وفضائل علی بن أبی طالب خاصة وفی أهل البیت عامة وهو ما أشار إلیه الإمام الشاطبی بقوله: یقولون ما بال النصاری تحبهم. وهی من العجائب التی بقیت لغزا وإلا كیف یعترف النصرانی بحقیقة أهل البیت ولا یسلم؟ اللهم إلا إذا قدرنا أنهم أسلموا ولم یعلنوا عن ذلك إما رهبة أو رغبة. وقد نقل صاحب كتاب كشف الغمة فی صفحة 20 قول بعض النصاری فی مدح أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب:

علی أمیر المؤمنین صریمة

وما لسواه فی الخلافة مطمع

له النسب الأعلی وإسلامه الذی

تقدم فیه والفضائل أجمعوا

بأن علیا أفضل الناس كلهم

وأورعهم بعد النبی وأشجع

فلو كنت أهوی ملة غیر ملتی

لما كنت إلا مسلما أتشیع

فالمسلمون أولی بحب وموالاة أهل بیت النبوة فأجر الرسالة كلها موقوفا علی مودتهم. وعسی أن یلقی ندائی أذانا صاغیة وقلوبا واعیة وعیونا مبصرة، فأكون بذلك سعیدا فی الدنیا والآخرة وأسأله سبحانه وتعالی أن یجعل عملی خالصا لوجهه الكریم ویتقبل منی ویعفو عنی ویغفر لی ویجعلنی خادما



[ صفحه 345]



لمحمد وعترته (صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین) فی الدنیا والآخرة فإن فی خدمتهم فوزا عظیما - إن ربی علی صراط مستقیم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی محمد وآله الطیبین الطاهرین. محمد التیجانی السماوی


[1] وقد أوضحنا في بحث سابق بأن هذا الحديث لا يتعارض مع حديث كتاب الله وسنتي لأن كتاب الله وسنة رسوله هو كلام صامت ولا بد لهما من ترجمان ومن مبين. فالرسول يرشدنا بأن المفسر والمبين للقرآن والسنة هم عترته من أئمة أهل البيت الذين يشهد المسلمون كافة أنهم مقدمون علي غيرهم في العلم والعمل.

[2] البيهقي كتاب المحاسن والمساوئ: 1 / 50. الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار، القسطلاني في كتاب المذاهب اللدنية.